فصائِلُنا في منظار فيصل
بقلم: طائر الجنوب
حين قال الملك فيصل الأول: ((أقول وقلبي ملآن أسى، أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء، ميّالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت))، فإنه -من وجهة نظره- أراد حسم الخلاف في أن الدولة في العراق ليست إفرازاً لأمة، وليست ناتجة من وعي شعب، أو نتيجة نضاله، أو صيرورة تاريخية نحو الأحسن، وإنما هي مخلوق مستورد من الخارج، بدعة ناتجة من تقاسم المصالح وتوزيع الكعكة على المنتصرين، وحسب أمزجة الغالبين. فبدل من أن يكون الشعب خالقا للدولة على صورته، جاءت الدولة لكي تكون متناقضة مع متطلبات الشعب واستحقاقاته.
فالإتيان بالملك فيصل من خارج المجتمع العراقي، وبالتحديد من الشام، من قبل الإستعمار البريطاني لينصب ملكاً يتم عن طريقه تكوين دولة متوافقة مع رغبات البريطانيين، لم يكن البدعة الوحيدة للغرب في منطقة الشرق الأوسط. لكنْ في ما يتعلق بالعراق، فإن الوضع لم يستقر حتى الآن، ولم يتحول الى حالة مشروعة ومقبولة لدى المجتمع العراقي.
وعلى رغم أن الملك فيصل ابتعد سريعاً عن رغبات الغرب، وبمجيء الملك غازي إنتهى أمل بريطانيا بأن يصبح العراق معسكراً وجزءاً مريحاً للإنتداب البريطاني، فإن أمل فيصل بعراق موحد وذي تطلعات عامة، وإنتماء وطني يسمو فوق الإنتماءات الإثنية والمذهبية، كان أحد الأهداف التي حاول تحقيقها بإستمرار عن طريق سياساته المتنوعة. لكن المفارقة انه اراد تحقيق هذا الهدف (النبيل) بعقلية طائفية، وبوسائل أقل ما يقال إنها غير نبيلة. فمفاهيم الوطن والدولة والشعب عنده لم تكن بريئة، بل كانت مجرد كلمات مشحونة بالطائفية والعشائرية.
وهكذا كانت نظرة فيصل لفصائل المجتمع العراقي تحتاج الى المجازفة في التعمق في التفاصيل.
فالشيطان يكمن دائماً في التفاصيل.
اترك تعليقاً