عبرت الشط على مودك
علي ابو عراق
راجت في الشهور الأخيرة في بورصة سوق التداول السياسي العراقي.. والذي يشهد هذه الأيام فترة ازدهار استثنائية في الدوغما والتضليل والإيهام والضحك على الذقون ..لترويج المصطلحات والمفردات الرنانة المبنى والفارغة المعنى كعادة السياسيين العراقيين منذ حلولهم “المبارك” علينا وكتعبير واضح وفاضح عن الفشل المريع للأداء السياسي لهذه البنى الهشة المتهالكة غير المؤهلة والتي أسرفت كثيرا في نهجها المؤذي والمضر لهذا الشعب الطيب، تتداول بكثرة مفردة صارت أثيرة جدا لدى البرلمانيين العراقيين والحكومة ولدى عموم السياسيين وهي ( تكتل عابر للطائفية ) وبرنامج عابر للطائفية وحكومة عابرة للطائفية ووزراء ….الخ
وارتفع مستوى تداول هذه (المسكنات) كثيرا أيام الحراك أو الانقسام البرلماني قبل أسابيع التي هبت مثل عاصفة هوجاء كادت ان تقلب موازيين ثوابت العملية السياسية في العراق التي انطلقت على أسس طائفية مدمرة سحقت الحلم العراقي بل سحقت كل مقدرات الوطن سحقا باهظا على مدى 13 عاما ، هبت العاصفة واستبشر بها العراقيون خيرا في إمكانية التغيير أو تعديل المسار والخروج من النفق المظلم ومتاهة المحاصصة التي أنتجت كل ما هو سيء وقبيح ومدمر،… بعد بروز كتلة أو جماعة داخل البرلمان العراقي بشرت بالخروج عن المحاصصة والتصرف بحرية واستقلالية خارج محددات الكتل والأحزاب التي ينتمي لها هؤلاء السادة ..وشعر الجميع بالفخر وان الأمل بمستقبل عراقي جديد صار ممكنا وسيطرق الأبواب …وعشق الناس على مختلف مشاربهم مفردة “العابر” ، باعتبارها طوق نجاة وإيحاء بخروج من مأزق مخيف آل أليه حال كل العراقيين عبر أكثر من عقد، …ولكن يافرحة لم تكتمل ولم تدم
ففي اقل من أسبوع خرج جزء كبير من المعتصمين بأمر قائدهم من اعتصام البرلمان وانخرطوا ثانية ضمن النسق العام للنهج السائد..وظل الجزء المتبقي منهم بين المحكمة الاتحادية وبين دعاوى الحكومة يدور في حلقة مفرغة لا يقر لها قرار حتى جاءت نهاية الفصل التشريعي لتنقذ جميع البرلمانيين (المعارضين والمحافظين) من هذا المشهد الاستعراضي المحتدم الذي دام لأسابيع …وتنفسوا الصعداء ،وانكشفت عنهم الغمة المؤقتة ..وكل سعى إلى جهته السياحية وموطن لذائذه ونعيم عطله…فقد تعب هؤلاء من هذا الاستعراض الساخن وآن الأوان للاستراحة والرجوع إلى الدعة والهدوء والخروج من وجع الرأس ولا يهم أن يبقى كل العراقيين على الجمر …يقلبون أوجاعهم من جديد لتكون اقل إيلاما ..ولو بالخداع او السخرية، والعراقيون أكثر الناس دربة وخبرة في ادارة الفواجع بسبب تاريخهم الطويل في التعامل معها ولا يهم ذلك…إذ امتدت الصلات وتعمقت الأواصر منذ العصور الرافدينية القديمة، فحتى اساطيرهم لم تخلوا من هذه الهيمنة الراسخة للالم .
هم ورثة الفواجع الكبرى التي وسمت كل تاريخهم، لذا لم يستسلموا لها طويلا… وفي شكل من أشكال التمرد والخروج عليها ..أو ممارسة الاسقاط المقلوب لتحويل هذه الفواجع الى نوع من السخرية المرة او ما درج تسميته بالكوميديا السوداء، وقد كانت الحروب الثلاثة والحصار الرهيب واكثر من ثلاثة عقود من القمع والاستبداد دليل اكيد على قدرة العراقيين على تحول فواجعهم الى سرديات فيها الكثير من السخرية والتندر الاسود…..وكلنا نتذكر الطرائف التي لا تنتهي عن الحرب وازلام النظام السابق وحتى رئيس النظام نفسه رغم المخاطر، وقد كتبت القصائد ولحنت الاغاني بعكس ما كان التلفزيون ووسائل الاعلام الرسمي تنشرها في تمجيد الاستبداد والطاغية، وحسب علمي ان هذه الطرف السوداء لا تعد ولا تحصى ، ولكن سنين ما بعد سقوط النظام منذ 2003 والحرية المحدودة التي منحها تغيير النظام القمعي الاستبدادي ، منحهم فرصة اوسع للسخرية والتندر، خصوصا ان الحكومة والطيف السياسي المتحكم بالعملية السياسية فتحوا الباب واسعا امامهم.. بسبب الفشل الذريع والفسادل الهائل ونقص الخدمات والبطالة والشتات الوطني والتدخلات الاقليمية والعالمية، ولعل الفترة الاخيرة التي بدأت مع المطالبات بالغاء المحاصصة وتغيير الحكومة بوزراء تكنوقراط وانتهت الى الراحة والاستجمام بنهاية الفصل التشريعي ..وسجل العراقيون أشد سرديات السخرية السوداء سوداوية … فليس من الاستثنائي ان تجد الكثير من العراقيين يردد مع نفسه أغنية كاظم الساهر ….عبرت الشط على مودك ..في نكاية وسخرية مرة من وعود الخروج من الطائفية والمحاصصة وتشكيل حكومة عابرة للطائفية عبر أحزاب او كتل عابرة للطائفية ..ولكن بعد ان لمسوا لمس اليد استحالة هذا الأمر …وعشمهم في ذلك عشم إبليس بالجنة كما يقولون ، راحوا يغنون أغنية عبرت الشط على مودك دون استئذان من الساهر ولا من غيره
اترك تعليقاً