محمد علاوي انسحب.. انت لست لها!
هارون محمد
ابتداء.. لم يكن زميلنا سعد البزاز موفقاً، عندما سخر قناته (الشرقية) على مدى ساعات، أمس (السبت) للدعاية والترويج، للمكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، محمد توفيق علاوي، وكأن تكليفه فتح الفتوح، ونصر مكتوب، خصوصاً في عرض كلمة ساذجة له سجلها في مقطع فيديوي سريع، كما يبدو، وظهر فيه، وكأنه يتحدث في (مقهى الطرف)، ويستجدي الدعم من المتظاهرين، الذين لم يهضموا حديثه، ولم يقتنعوا بكلامه، برغم ان القناة البزازية، عرضت هذا المقطع السطحي ست مرات في أقل من ساعة.
وكما بالغ صاحب الشرقية، في (تعظيم) محمد علاوي، وسعى الى تلميع صورته، وتجميل سيرته، فان مقتدى الصدر، فضح نفسه، وكشف سره، عندما أعلن تأييده للمكلف، على طول، مستخفاً بالشعب العراقي كعادته الفجة، ومصادراً لإرادته الوطنية، على طريقته المعوجة، وقال عنه، انه مرشح (الشعب)، هكذا من دون احترام للشعب، الذي بات يتحدث باسمه، وينوب عنه (شعيط ومعيط وجرار الخيط)، من دون حياء أو خجل.
ولسنا، هنا، في معرض الانتقاص من المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة محمد علاوي، ولكن أي تقييم موضوعي لشخصيته ومسيرته، وهو نائب سابق ووزير أسبق، يعطينا أدلة ومؤشرات، على أن الرجل غير مؤهل، لقيادة حكومة قوية ومؤثرة، في هذه المرحلة بالذات، حيث تتواجه الجماهير، في بغداد ومحافظات الفرات الاوسط والجنوب، مع الطبقة السياسية الحاكمة، في معركة مفتوحة، منذ الاول من تشرين الاول الماضي، الى يومنا الراهن، استخدم فيها الثوار السلمية عنواناً، والصوت هتافاً، والاصلاح هدفاً، بينما ردت السلطة، على هذه الحالة الحضارية، رصاصاً حياً، وخطفاً غادراً، وارهاباً مدبراً، وحرقاً منظماً، الأمر الذي يعكس، حجم الهوة، بين الشعب النقي الراقي، وبين الحكم الباغي.
والمشكلة، التي ما زال مقتدى الصدر وهادي العامري وقيس الخزعلي ونوري المالكي، وعمار الحكيم، وأضرابهم من قادة المليشيات والكتل الشيعية، يصدّون عنها، ولا يلتفتون اليها، تكمن في طبيعة السلطة الحاكمة، وهم أبرز قادتها، في الخراب والفساد، الذي حل في البلاد، فهم أصل الأزمات، التي تضرب العراق، منذ الاحتلال الى اليوم، وهم صناع القلاقل، وأصحاب الفتنة، يقدمون مصالحهم الذاتية والحزبية والسياسية، على حساب الشعب، الذي حاولوا تخديره، باللطميات والمسيرات والركضات، من دون ان ينتبهوا، لضحالة فكرهم، وسذاجة عنادهم، الى ان الشعوب قد تهدأ، وربما تستجيب إلى دعوات تظن انها خيرّة، ولكنها تنتقل الى الثورة، بلا حدود توقفها، ولا سلاح يمنعها، عندما تكتشف، غدر الحكام، وخداعهم وظلمهم لها، وهذا ما حصل في العراق، ويحدث فيه حالياً.
لقد كانت تجربة عادل عبدالمهدي، الذي استورده، مقتدى الصدر وهادي العامري، من عزلته، وكلفاه برئاسة حكومة مريضة، منذ أول يوم لتشكيلها، دليلا على ان قادة الكتل المتنفذة، والمليشيات المتسلطة، لا يريدون للعراق ان ينهض ويتقدم، ويسعون الى ان تظل الفوضى والانفلات الامني وعدم الاستقرار، هي السمات السائدة، للاوضاع القائمة، ووفقاً لهذا المنظور، فان استقدام محمد علاوي، من مقره اللندني، وتكليفه برئاسة حكومة، لعبور المرحلة الراهنة، وتمشية الامور على علاتها، تتشابه تماماً مع طبيعة حكومة عبدالمهدي، الفاشلة عن جدارة واستحقاق، ويخطيء الصدر والعامري، وهما اللذان يقودان الخراب في العراق، مرة أخرى، اذا ظنا، ان علاوي المكلف، قادر على التهدئة، واقناع المتظاهرين بالعودة الى بيوتهم، في انتظار منجزاته، التي وعد بتحقيقها، لانه حتى لو صدق، وشمّر عن ذراعيه لتنفيذها، فان مقتدى وهادي وغيرهما من شلة السلطة، وأصحاب الحكم، سيقفون له بالمرصاد، ويعترضون طريقه، ويرفضون قراراته، وخصوصاً، تعهداته في محاسبة قتلة المتظاهرين، واجراء انتخابات نيابية مبكرة، لان القتلة معروفون بالاسم والانتماء، وأغلبهم من المليشيات، وتنظيم انتخابات مبكرة ونزيهة، باشراف أممي، سيحرم بالتأكيد، الكتل الفاسدة، من أصوات، حصلت عليها، في انتخابات 2018، وسيكون أكبر الخاسرين، هما مقتدى والعامري، بعد ان اكتشف الشعب ، ألاعيبهما، ودعم ايران لهما، وخصوصاً الصدر، اللاعب على حبال الافك والخديعة والافتراء.
وحتى لو نجح محمد علاوي في تشكيل حكومته، وحصل على موافقة مجلس النواب عليها، فانه، وبسبب طبيعته المهادنة، وشخصيته المنغلقة، كما وصفها الاستاذ حسن العلوي، في رسالة النصيحة التي وجهها اليه، لا يستطيع الاستمرار، لضعفه وقلة خبرته، وهو الاستقراطي الناعم، والرأسمالي الحالم، البعيد عن الهم العراقي، كما أنه سيكون، وسط غابة تجمع ضباعاً كاسرة، قادرة على افتراسه، في أية لحظة، اذا خرج عليها، أو اختلف معها، لانها، ما زالت تحتفظ باسلحتها الفتاكة، في الميدان، وقادرة على خلق المتاعب له، والتخلي عنه، كما حدث لعبدالمهدي، الذي كان أول من انتقد حكومته، مقتدى الصدر، متناسياً انه كان عرابها، هلل لها، وأشاد بها، ولكنه انقلب عليها، عندما لاحظ نقمة الشعب على سياساتها، وحاول ركوب موجة معارضتها.
ومرة أخرى، فان المشكلة في العراق، ليست في استقالة حكومة، وتشكيل أخرى، ولا في رئيس ذهب، وآخر جاء، وانما تكمن في هذه الطبقة، التي يطلق عليها مجازاً اسم (السياسية) الحاكمة، التي تمثل سرطاناً يستفحل، لا يفيد معه، الا استئصاله من الجذور، وهذه مهمة، لا يقدر عليها محمد علاوي، أو من هو على شاكلته، وانما الشعب، اذا ثبت على وقفته، وتمسك بمطاليبه، وأصر على استعادة وطنه، وعندها سيضطر القتلة واللصوص والفاسدون، وأصحاب التغريدات المضللة، والدعوات الخادعة، الى الفرار، هلعاً من المواجهة المقبلة، وحفاظاً على أموالهم، وأرصدتهم واستثماراتهم، وقد بلغت المليارات.
اترك تعليقاً