في إفتتاحية لجريدة الحقيقة .. فالح الدراجي يكتب: الكاظمي يلعب بالبيضة والحجر !
الكاظمي واللعب بالبيضة والحجر !
فالح حسون الدراجي
لقد أثبت الكاظمي انه لاعب ذكي فعلاً، ورئيس مخابرات ماهر، حين ابقى متقصداً حقائب الوزارات الأمنية شاغرة لمفاوضات الساعات الأخيرة الصعبة!
أما كيف ولماذا فعل ذلك؟
فالجواب يحتاج الى وقفة قصيرة،
بعد أن بات الكثير من السياسيين والمحللين القريبين من ميدان المفاوضات الدائرة حول الكابينة الوزارية، مقتنعين اليوم أن رئيس الحكومة المكلف مصطفى الكاظمي رجل ذكي بإمتياز، ولاعب متمكن في لعبته، فهو يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات العراقية في أصعب وأدق وأحرج مراحل العراق السياسية والأمنية، ومن كان في مثل هذا الموقع، سيكون بالضرورة رجلاً حاذقاً، وماهراً، وذكياً، وهادئاً، وأن يكون دارساً وعارفاً بما يدور في رأس وقلب من يجالسه أو من يحقق معه، أو من يفاوضه – ولا فرق في ذلك – وإلا فثمة خلل في المفهوم المادي للتاريخ كما يقول بليخانوف!
ناهيك عن جذر الكاظمي الصحافي، ومهنته الإعلامية والتحليلية التي تحتاج حتماً الى الكثير من الموهبة، والذكاء، والفراسة، وقراءة الزمن، وتوقع الحدث قبل وقوعهما، وإلا فلن يكون الرجل صحافيا ناجحاً، بل ولايستحق هويته وعنوانه الصحفي.
وحين كلف الرئيس برهم صالح السيد مصطفى الكاظمي بتشكيل ورئاسة الحكومة العراقية الجديدة، لم يثق بنجاحه في هذا التكليف سوى القريبين منه، واولئك العارفين بعمقه الصحفي ونجاحه المخابراتي وذكائه الشبابي المكتنز بثقافة الإختلاط والتعايش مع شعوب أخرى، ومعرفة لغة أخرى.
أما الذين لم تتح لهم فرصة التعرف اليه عن قرب، فقد وضعوا أياديهم على قلوبهم خوفاً عليه من فشل قادم مثل سابقيه لا محال!
وفي كل يوم من أيام التكليف، ومع كل حفل و(جمبش) إعلامي، يزداد الناس خوفاً على هذا الشاب الذي ( تورط ) أو (ورطوه ) بهذا التكليف، بينما القريبون منه يزدادون ثقة به وبنجاحه رغم الاف التقارير والأخبار والمقالات والتوقعات والتحليلات والكذبات التي تساق ضده كل يوم.
والان، وحيث حلبة المفاوضات بين الكاظمي والفرقاء السياسيين تزدحم بالملاكمين المتنوعين، المستقتلين والمستبسلين حد النزف طمعاً بالفوز بأكبر عدد من الميداليات الذهبية، وحيث يتضح دون شك ان كل ملاكم يسعى لتسجيل النقاط على حساب خصمه، وكل ملاكم يدخر لياقته البدنية الى الجولات الاخيرة التي ستكون مرهقة وثقيلة جداً، وهو أمر لم ولن يكون معيباً، فالسياسة تجارة ومنافسة كما هو معروف، وعدد الحقائب الوزارية محدود دون شك، والمفاوض الشاطر من يأتي لكتلته وجماعته بأكثر وأغنى الوزارات.
لذلك، فالتفاوض والتسابق هنا يشبه الى حد ما سباق الماراثون، وطبعاً فإن الفوز فيه تحدده نهاية السباق وليس بدايته.
ولما سرب الكاظمي بذكاء، آخر نسخة من نسخ تشكيلته الوزارية، ترك حقلا الداخلية والدفاع فيها فارغين تماماً، فإنشغل ساعتها الجميع بالسؤال عن اسماء وهويات وعناوين بقية الوزراء دون ان يسأل أحد عن أسباب شغور حقلي الدفاع والداخلية، إلا من يعرف طبيعة الكاظمي، ويعرف ذكائه، ومهاراته المخابراتية المكتسبة، فهؤلاء أدركوا وحدهم أن الكاظمي لعبها ” صح ” وأنه أدخر هاتين الوزارتين الأمنيتين المهمتين، كما يدخر المتسابق جهده للامتار الاخيرة، وكما يدخر الرجل الحكيم فلسه الأبيض ليومه الأسود، وقطعاً فإن هاتين الوزارتين هما اليوم بمثابة الجوكر الذي يستخدمه الكاظمي في لعبته الأخيرة مع الأخوة الأعداء، خاصة وإنهما وزارتان تابعتان بالتناصف للسنة والشيعة، وقد أضاف اليهما في الشغور، وزارة المالية، حين علم ان أصدقائه الكرد يسعون لإستخدام صداقته في حلب (المالية) دون رحمة ورغماً عن انوف جميع الشركاء !
إذاً عرفتم الان لماذا ترك الكاظمي ثلاثة حقول وزارية فارغة وشاغرة في تشكيلته المسربة؟
أنا واثق إن نتائج سباق التفاوض ستكون دون شك لصالح من أدخر جهده للأمتار الاخيرة!
ألم أقل لكم إن الكاظمي مفاوض حاذق وفتى يلعب بالبيضة والحجر ؟
اترك تعليقاً